فصل: تفسير الآيات (17- 23):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والثاني: إن كان موسى تكلم معه وهو تكلم مع موسى فأمة محمد صلى الله عليه وسلم يخاطبون الله في كل يوم مرات على ما قال صلى الله عليه وسلم: «المصلي يناجي ربه» والرب يتكلم مع آحاد أمة محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة بالتسليم والتكريم والتكليم في قوله: {سَلاَمٌ قَوْلًا مّن رَّبّ رَّحِيمٍ} [يس: 58].
السؤال الثالث: ما إعراب قوله: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا موسى} الجواب، قال صاحب الكشاف: {تلك بيمينك} كقوله: {وهذا بَعْلِي شَيْخًا} [هود: 72] في انتصاب الحال بمعنى الإشارة ويجوز أن يكون تلك اسمًا موصولًا وصلته {بِيَمِينِكَ}.
قال الزجاج: معناه وما التي بيمينك، قال الفراء: معناه ما هذه التي في يمينك، واعلم أنه سبحانه لما سأل موسى عليه السلام عن ذلك أجاب موسى عليه السلام بأربعة أشياء، ثلاثة على التفصيل وواحد على الإجمال.
الأول: قوله: {هِىَ عَصَايَ} قرأ ابن أبي إساحق: {هي عصي} ومثلها: {يا بشرى} وقرأ الحسن {هي عصاي} بسكون الياء والنكث هاهنا ثلاثة.
إحداها: أنه قال: {هِىَ عَصَاىَ} فذكر العصا ومن كان قلبه مشغولًا بالعصا ومنافعها كيف يكون مستغرقًا في بحر معرفة الحق ولكن محمدًا صلى الله عليه وسلم عرض عليه الجنة والنار فلم يلتفت إلى شيء:
{مَا زَاغَ البصر وَمَا طغى} [النجم: 17] ولما قيل له امدحنا، قال: «لا أحصي ثناء عليك» ثم نسي نفسه ونسي ثناءه فقال: «أنت كما أثنيت على نفسك» وثانيها: لما قال: {عَصَاىَ} قال الله سبحانه وتعالى: {أَلْقَِهَا}، فلما ألقاها {فَإِذَا هِىَ حَيَّةٌ تسعى} ليعرف أن كل ما سوى الله فالالتفات إليه شاغل وهو كالحية المهلكة لك.
ولهذا قال الخليل عليه السلام: {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاَّ رَبَّ العالمين} [الشعراء: 77] وفي الحديث: «يجاء يوم القيامة بصاحب المال الذي لم يؤد زكاته ويؤتى بذلك المال على صورة شجاع أقرع» الحديث بتمامه.
وثالثها: أنه قال هي عصاي فقد تم الجواب، إلا أنه عليه السلام ذكر الوجوه الآخر لأنه كان يحب المكالمة مع ربه فجعل ذلك كالوسيلة إلى تحصيل هذا الغرض.
الثاني: قوله: {أتوكأ عليها} والتوكي، والإتكاء، واحد كالتوقي، والإتقاء معناه اعتمد عليها إذا عييت أو وقفت على رأس القطيع أو عند الطفرة فجعل موسى عليه السلام نفسه متوكئًا على العصا وقال الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم: اتكىء على رحمتي بقوله تعالى: {يا أيها النبي حَسْبُكَ الله وَمَنِ اتبعك مِنَ المؤمنين} [الأنفال: 64] وقال: {والله يَعْصِمُكَ مِنَ الناس} [المائدة: 67] فإن قيل: أليس قوله: {وَمَنِ اتبعك مِنَ المؤمنين} يقتضي كون محمد يتوكأ على المؤمنين؟ قلنا قوله: {وَمَنِ اتبعك مِنَ المؤمنين} معطوف على الكاف في قوله: {حَسْبَكَ الله} والمعنى الله حسبك، وحسب من اتبعك من المؤمنين.
الثالث: قوله: {وَأَهُشُّ بِهَا على غَنَمِي} أي أخبط بها فأضرب أغصان الشجر ليسقط ورقها على غنمي فتأكله.
وقال أهل اللغة: هش على غنمه، يهش بضم الهاء في المستقبل، وهششت الرجل أهش بفتح الهاء في المستقبل، وهش الرغيف يهش بكسر الهاء.
قاله ثعلب، وقرأ عكرمة: {وأهس} بالسين غير المنقوطة، والهش زجر الغنم، واعلم أن غنمه رعيته فبدأ بمصالح نفسه في قوله: {أتوكأُ عليها} ثم بمصالح رعيته في قوله: {وَأَهُشُّ بِهَا على غَنَمِي} فكذلك في القيامة يبدأ بنفسه فيقول: نفسي نفسي ومحمد صلى الله عليه وسلم لم يشتغل في الدنيا إلا بإصلاح أمر الأمة: {وَمَا كَانَ الله لِيُعَذّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ} [الأنفال: 33] «اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون» فلا جرم يوم القيامة يبدأ أيضًا بأمته فيقول: «أمتي أمتي» والرابع: قوله: {وَلِيَ فِيهَا مآرِبُ أخرى} أي حوائج ومنافع واحدتها مأربة بفتح الراء وضمها، وحكى ابن الأعرابي وقطرب بكسر الراء أيضًا، والأرب بفتح الراء، والإربة بكسر الألف وسكون الراء الحاجة، وإنما قال أخرى لأن المآرب في معنى جماعة فكأنه قال: جماعة من الحاجات أخرى ولو جاءت أخر لكان صوابًا كما قال: {فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] ثم هاهنا نكت.
إحداها: أنه لما سمع قول الله تعالى: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ} عرف أن لله فيه أسرارًا عظيمة فذكر ما عرف وعبر عن البواقي التي ما عرفها إجمالًا لا تفصيلًا بقوله: {وَلِىَ فِيهَا مَآَرِبُ أخرى}.
وثانيها: أن موسى عليه السلام أحس بأنه تعالى إنما سأله عن أمر العصا لمنافع عظيمة.
فقال موسى: إلهي ما هذه العصا إلا كغيرها، لكنك لما سألت عنها عرفت أن لي فيها مآرب أخرى ومن جملتها أنك كلمتني بسببها فوجدت هذا الأمر العظيم الشريف بسببها.
وثالثها: أن موسى عليه السلام أجمل رجاء أن يسأل ربه عن تلك المآرب فيسمع كلام الله مرة أخرى ويطول أمر المكالمة بسبب ذلك.
ورابعها: أنه بسبب اللطف انطلق لسانه ثم غلبته الدهشة فانقطع لسانه وتشوش فكره فأجمل مرة أخرى، ثم قال وهب: كانت ذات شعبتين كالمحجن، فإذا طال الغصن حناه بالمحجن، وإذا حاول كسره لواه بالشعبتين، وإذا سار وضعها على عاتقه يعلق فيها أدواته من القوس والكنانة والثياب، وإذا كان في البرية ركزها وألقى كساء عليها فكانت ظلًا.
وقيل: كان فيها من المعجزات أنه كان يستقي بها فتطول بطول البئر وتصير شعبتاها دلوًا ويصيران شمعتين في الليالي، وإذا ظهر عدو حاربت عنه.
وإذا اشتهى ثمرة ركزها فأورقت وأثمرت.
وكان يحمل عليها زاده وماءه وكانت تماشيه ويركزها فينبع الماء فإذا رفعها نصب وكانت تقيه الهوام.
واعلم أن موسى عليه السلام لما ذكر هذه الجوابات أمره الله تعالى بإلقاء العصا فقال: {أَلْقِهَا ياموسى} وفيه نكت، إحداها: أنه عليه السلام لما قال: {وَلِىَ فِيهَا مآرِبُ أخرى} أراد الله أن يعرفه أن فيها مأربة أخرى لا يفطن لها ولا يعرفها وأنها أعظم من سائر مآربه فقال: {أَلْقِهَا ياموسى فألقاها فَإِذَا هِىَ حَيَّةٌ تسعى}.
وثانيتها: كان في رجله شيء وهو النعل وفي يده شيء وهو العصا، والرجل آلة الهرب واليد آلة الطلب فقال أولًا: {فاخلع نَعْلَيْكَ} [طه: 12] إشارة إلى ترك الهرب، ثم قال ألقها يا موسى وهو إشارة إلى ترك الطلب.
كأنه سبحانه قال: إنك ما دمت في مقام الهرب والطلب كنت مشتغلًا بنفسك وطالبًا لحظك فلا تكون خالصًا لمعرفتي فكن تاركًا للهرب والطلب لتكون خالصًا لي.
وثالثتها: أن موسى عليه السلام مع علو درجته، وكمال منقبته لما وصل إلى الحضرة ولم يكن معه إلا النعلان والعصا أمره بالقائهما حتى أمكنه الوصول إلى الحضرة فأنت مع ألف وقر من المعاصي كيف يمكنك الوصول إلى جنابه.
ورابعتها: أن محمدًا صلى الله عليه وسلم كان مجردًا عن الكل ما زاغ البصر فلا جرم وجد الكل، لعمرك أما موسى لما بقي معه تلك العصا لا جرم أمره بإلقاء العصا، واعلم أن الكعبي تمسك به في أن الاستطاعة قبل الفعل فقال: القدرة على إلقاء العصا، إما أن توجد والعصا في يده أو خارجة من يده فإن أتته القدرة وهي في يده فذاك قولنا:
{وَأَنَّ الله لَيْسَ بظلام لّلْعَبِيدِ} [آل عمران: 182] وإذا أتته وليست في يده وإنما استطاع أن يلقي من يده ما ليس في يده فذلك محال، أما قوله: {فألقاها فَإِذَا هِىَ حَيَّةٌ تسعى} ففيه أسئلة: السؤال الأول: ما الحكمة في قلب العصا حية في ذلك الوقت؟ الجواب فيه وجوه: أحدها: أنه تعالى قلبها حية لتكون معجزة لموسى عليه السلام يعرف بها نبوة نفسه وذلك لأنه عليه السلام إلى هذا الوقت ما سمع إلا النداء، والنداء وإن كان مخالفًا للعادات إلا أنه لم يكن معجزًا لاحتمال أن يكون ذلك من عادات الملائكة أو الجن فلا جرم قلب الله العصا حية ليصير ذلك دليلًا قاهرًا والعجب أن موسى عليه السلام قال: أتوكأ عليها فصدقه الله تعالى فيه وجعلها متكأ له بأن جعلها معجزة له.
وثانيها: أن النداء كان إكرامًا له فقلب العصا حية مزيدًا في الكرامة ليكون توالي الخلع والكرامات سببًا لزوال الوحشة عن قلبه.
وثالثها: أنه عرض عليه ليشاهده أولًا فإذا شاهده عند فرعون لا يخافه.
ورابعها: أنه كان راعيًا فقيرًا ثم إنه نصب للمنصب العظيم فلعله بقي في قلبه تعجب من ذلك فقلب العصا حية تنبيهًا على أني لما قدرت على ذلك فكيف يستبعد مني نصرة مثلك في إظهار الدين.
وخامسها: أنه لما قال: {قَالَ هِىَ عَصَاىَ أَتَوَكَّؤُا} إلى قوله: {وَلِىَ فِيهَا مَآَرِبُ أخرى} فقيل له: {أَلْقَِهَا} فلما ألقاها وصارت حية فر موسى عليه السلام منها فكأنه قيل له: ادعيت أنها عصاك وأن لك فيها مآرب أخرى فلم تفر منها، تنبيهًا على سر قوله: {فَفِرُّواْ إِلَى الله} [الذاريات: 50] وقوله: {قُلِ الله ثُمَّ ذَرْهُمْ} [الأنعام: 91].
السؤال الثاني: قال هاهنا حية وفي موضع آخر ثعبان وجان، أما الحية فاسم جنس يقع على الذكر والأنثى والصغير والكبير، وأما الثعبان والجان فبينهما تناف لأن الثعبان العظيم من الحيات والجان الدقيق وفيه وجهان: أحدهما: أنها كانت وقت انقلابها حية صغيرة دقيقة ثم تورمت وتزايد جرمها حتى صارت ثعبانًا فأريد بالجان أول حالها وبالثعبان مآلها.
والثاني: أنها كانت في شخص الثعبان وسرعة حركة الجان، والدليل عليه قوله تعالى: {فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ}.
السؤال الثالث: كيف كانت صفة الحية.
الجواب كان لها عرف كعرف الفرس وكان بين لحييها أربعون ذراعًا، وابتلعت كل ما مرت به من الصخور والأشجار حتى سمع موسى صرير الحجر في فمها وجوفها، أما قوله تعالى: {قَالَ خُذْهَا وَلاَ تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيَرتَهَا الأولى} ففيه سؤالات: السؤال الأول: لما نودي موسى وخص بتلك الكرامات العظيمة وعلم أنه معبوث من عند الله تعالى إلى الخلق فلم خاف.
والجواب من وجوه: أحدها: أن ذلك الخوف كان من نفرة الطبع لأنه عليه السلام ما شاهد مثل ذلك قط.
وأيضًا فهذه الأشياء معلومة بدلائل العقول.
وعند الفزع الشديد قد يذهل الإنسان عنه.
قال الشيخ أبو القاسم الأنصاري رحمه الله تعالى وذلك الخوف من أقوى الدلائل على صدقه في النبوة لأن الساحر يعلم أن الذي أتى به تمويه فلا يخافه ألبتة.
وثانيها: قال بعضهم: خافها لأنه عليه السلام عرف ما لقي آدم منها.
وثالثها: أن مجرد قوله: {لاَ تَخَفْ} لا يدل على حصول الخوف كقوله تعالى: {وَلاَ تُطِعِ الكافرين} [الأحزاب: 1] لا يدل على وجود تلك الطاعة لكن قوله: {فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ ولى مُدْبِرًا} [النمل: 10] يدل عليه، ولكن ذلك الخوف إنما ظهر ليظهر الفرق بينه وبين محمد صلى الله عليه وسلم فإنه عليه السلام أظهر تعلق القلب بالعصا والنفرة عن الثعبان، وأما محمد عليه السلام فما أظهر الرغبة في الجنة ولا النفرة عن النار.
السؤال الثاني: متى أخذها، بعد انقلابها عصا أو قبل ذلك.
والجواب: روي أنه أدخل يده بين أسنانها فانقلبت خشبة والقرآن يدل عليه أيضًا بقوله: {سَنُعِيدُهَا سِيَرتَهَا الأولى} وذلك يقع في الاستقبال، وأيضًا فهذا أقرب للكرامة لأنه كما أن انقلاب العصا حية معجزة فكذلك إدخال يده في فمها من غير ضرر معجزة وانقلابها خشبًا معجز آخر فيكون فيه توالي المعجزات فيكون أقوى في الدلالة.
السؤال الثالث: كيف أخذه، أمع الخوف أو بدونه.
والجواب: روي مع الخوف ولكنه بعيد، لأن بعد توالي الدلائل يبعد ذلك.
وإذا علم موسى عليه السلام أنه تعالى عند الأخذ سيعيدها سيرتها الأولى فكيف يستمر خوفه، وقد علم صدق هذا القول وقال بعضهم لما قال له ربه: {لاَ تَخَفْ} بلغ من ذلك ذهاب خوفه وطمأنينة نفسه إلى أن أدخل يده في فمها وأخذ بلحييها.
السؤال الرابع: ما معنى سيرتها الأولى، والجواب: قال صاحب الكشاف: السيرة من السير كالركبة من الركوب يقال: سار فلان سيرة حسنة ثم اتسع فيها فنقلت إلى معنى المذهب والطريقة.
السؤال الخامس: علام انتصب سيرتها، الجواب فيه وجهان: أحدهما: بنزع الخافض يعني إلى سيرتها.
وثانيهما: أن يكون سنعيدها مستقلًا بنفسه غير متعلق بسيرتها بمعنى أنها كانت أولًا عصا فصارت حية فسنجعلها عصا كما كانت فنصب سيرتها بفعل مضمر أي تسير سيرتها الأولى يعني سنيعدها سائرة بسيرتها الأولى حيث كنت تتوكأ عليها ولك فيها المآرب التي عرفتها.
{وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى (22)}.
اعلم أن هذا هو المعجزة الثانية وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
يقال لك ناحيتين جناحان كجناحي العسكر لطرفيه وجناحا الإنسان جنباه والأصل المستعار منه جناحا الطائر لأنه يجنحهما عند الطيران، وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما إلى جناحك إلى صدرك والأول أولى لأن يدي الإنسان يشبهان جناحي الطائر لأنه قال: {تَخْرُجْ بَيْضَاء} ولو كان المراد بالجناح الصدر لم يكن لقوله: {تَخْرُجْ} معنى واعلم أن معنى ضم اليد إلى الجناح ما قال في آية أخرى: {وَأَدْخِلْ يَدَكَ في جَيْبِكَ} [النمل: 12] لأنه إذا أدخل يده في جيبه كان قد ضم يده إلى جناحه، والله أعلم.
المسألة الثانية:
السوء الرداءة والقبح في كل شيء فكنى به عن البرص كما كنى عن العورة بالسوأة والبرص أبغض شيء إلى العرب فكان جديرًا بأن يكنى عنه يروى أنه عليه السلام كان شديد الأدمة فكان إذا أدخل يده اليمنى في جيبه وأدخلها تحت إبطه الأيسر وأخرجها كانت تبرق مثل البرق وقيل مثل الشمس من غير برص ثم إذا ردها عادت إلى لونها الأول بلا نور.
المسألة الثالثة:
بيضاء وآية حالان معًا ومن غير سوء من صلة البيضاء كما تقول ابيضت من غير سوء وفي نصب آية وجه آخر وهو أن يكون بإضمار نحو خذ ودونك وما أشبه ذلك حذف لدلالة الكلام، وقد تعلق بهذا المحذوف لنريك أي خذ هذه الآية أيضًا بعد قلب العصا لنريك بهاتين الآيتين بعض آياتنا الكبرى أو لنريك بهما الكبرى من آياتنا أو لنريك من آياتنا الكبرى فعلنا ذلك، فإن قيل الكبرى من نعت الآيات فلم لم يقل الكبر؟ قلنا: بل هي نعت الآية والمعنى لنريك الآية الكبرى ولئن سلمنا ذلك فهو كما قدمنا في قوله: {مَآَرِبُ أخرى} [طه: 18]، و{الأسماء الحسنى} [طه: 8].
المسألة الرابعة:
قال الحسن: اليد أعظم في الإعجاز من العصا لأنه تعالى: ذكر {لِنُرِيَكَ مِنْ ءاياتنا الكبرى} عقيب ذكر اليد وهذا ضعيف لأنه ليس في اليد إلا تغير اللون، وأما العصا ففيه تغير اللون وخلق الزيادة في الجسم وخلق الحياة والقدرة والأعضاء المختلفة وابتلاع الحجر والشجر، ثم عاد عصا بعد ذلك.
فقد وقع التغير مرة أخرى في كل هذه الأمور فكانت العصا أعظم، وأما قوله: {لِنُرِيَكَ مِنْ ءاياتنا الكبرى} فقد بينا أنه عائد إلى الكل وأنه غير مختص باليد. اهـ.